فصل: تفسير الآية رقم (21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (21):

{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)}
{لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان} العظيم الشأن المنطوي على فنون القوارع {على جَبَلٍ} من الجبال أو جبل عظيم {لَّرَأَيْتَهُ} مع كونه علمًا في القسوة وعدم التأثر مما يصادمه {خاشعا مُّتَصَدّعًا مّنْ خَشْيَةِ الله} أي متشققًا منها.
وقرأ أبو طلحة مصدعًا بإدغام التاء في الصاد، وهذا تمثيل وتخييل لعلو شأن القرآن وقوة تأثير ما فيه من المواعظ والزواجر، والغرض توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وقلة تخشعه عند تلاوة القرآن وتدبر ما فيه من القوارع وهو الذي لو أنزل على جبل وقد ركب فيه العقل لخشع وتصدع، ويشير إلى كونه تمثيلًا قوله تعالى: {وَتِلْكَ الامثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فإن الإشارة فيه إلى قوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا} إلخ وإلى أمثاله، فالكلام بتقدير وقوع تلك، أو المراد تلك وأشباهها والأمثال في الأغلب تمثيلات متخيلة.

.تفسير الآية رقم (22):

{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)}
{هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ} وحده سبحانه: {عالم الغيب} وهو ما لم يتعلق به علم مخلوق وإحساسه أصلًا وهو الغيب المطلق {والشهادة} وهو ما يشاهده مخلوق.
قال الراغب: الشهود والشهادة الحضور مع المشاهدة إما بالبصر أو بالبصيرة، وقد يعتبر الحضور مفردًا لكن الشهود بالحضور المجرد أولى والشهادة مع المشاهدة أولى، وحمل الغيب على المطلق هو المتبادر، وأل فيه للاستغراق إذ لا قرينة للعهد، ومقام المدح يقتضيه مع قوله تعالى: {علام الغيوب} [المائدة: 109] فيشمل كل غيب واجبًا كان أو ممكنًا موجودًا أو معدومًا أو ممتنعًا لم يتعلق به علم مخلوق، ويطلق الغيب على ما لم يتعلق به علم مخلوق معين وهو الغيب المضاف أي الغيب بالنسبة إلى ذلك المخلوق وهو على ما قيل: مراد الفقهاء في قولهم: مدعي علم الغيب كافر، وهذا قد يكون من عالم الشهادة كما لا يخفى، وذكر الشهادة مع أنه إذا كان كل غيب معلومًا له تعالى كان كل شهادة معلومًا له سبحانه بالطريق الأولى من باب قوله عز وجل: {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} [الكهف: 49]، وقيل: الغيب ما لا يقع عليه الحس من المعدوم أو الموجود الذي لا يدرك، والشهادة ما يقع عليه الإدراك بالحس.
وقال الإمام أبو جعفر رضي الله تعالى عنه: الغيب ما لم يكن والشهادة ما كان، وقال الحسن: الغيب السر. والشهادة العلانية، وقيل: الأول: الدنيا بما فيها. والثاني: الآخرة بما فيها، وقيل: الأول: الجواهر المجردة وأحوالها. والثاني: الأجرام والأجسام وأعراضها، وفيه أن في ثبوت المجردات خلافًا قويًا، وأكثر السلف على نفيها، وتقديم الغيب لأن العلم به كالدليل على العلم بالشهادة، وقيل: لتقدمه على الشهادة فإن كل شهادة كان غيبًا وما برز ما برز إلا من خزائن الغيب، وصاحب القيل الأخير يقول: إن تقديم الغيب لتقدمه في الوجود وتعلق العلم القديم به، واستدل بالآية على أنه تعالى عالم بجميع المعلومات، ووجهه ما أشرنا إليه، وتتضمن على ما قيل: دليلًا آخر عليه لأنها تدل على أنه لا معبود إلا هو ويلزمه أن يكون سبحانه خالقًا لكل شيء بالاختيار كما هو الواقع في نفس الأمر، والخلق بالاختيار يستحيل بدون العلم، ومن هنا قيل: الاستدلال بها على هذا المطلب أولى من الاستدلال بقوله تعالى: {والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} [البقرة: 282] {هُوَ الرحمن الرحيم} برحمة تليق بذاته سبحانه، والتأويل وإن ذكره علماء أجلاء من الماتريدية. والأشاعرة لا يحتاج إليه سلفي كما حقق في التمييز وغيره.

.تفسير الآية رقم (23):

{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)}
{هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ} كرر لإبراز كمال الاعتناء بأمر التوحيد {الملك} المتصرف بالأمر والنهي، أو المالك لجميع الأشياء الذي له التصرف فيها، أو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء ويستحيل عليه الإذلال، أو الذي يولي ويعزل ولا يتصور عليه تولية ولا عزل. أو المنفرد بالعز والسلطان، أو ذو الملك والملك خلقه، أو القادر أقوال حكاها الآمدي، وحكى الأخير عن القاضي أبي بكر {القدوس} البليغ في النزاهة عما يوجب نقصانًا، أو الذي له الكمال في كل وصف اختص به، أو الذي لا يحدّ ولا يتصور، وقرأ أبو السمال. وأبو دينار الأعرابي {القدوس} بفتح القاف وهو لغة فيه لكنها نادرة، فقد قالوا: فعول بالضم كثير، وأما بالفتح فيأتي في الأسماء كسمور. وتنور. وهبود اسم جبل باليمامة، وأما في الصفات فنادر جدًا، ومنه سبوح بفتح السين {السلام} ذو السلامة من كل نقص وآفة مصدر وصف به للمبالغة، وعن الجبائي هو الذي ترجى منه السلامة، وقيل: أي الذي يسلم على أوليائه فيسلمون من كل مخوف {المؤمن} قيل: المصدق لنفسه ولرسله عليهم السلام فيما بلغوه عنه سبحانه إما بالقول أو بخلق المعجزة، أو واهب عباده الأمن من الفزع الأكبر أو مؤمنهم منه إما بخلق الطمأنينة في قلوبهم أو بإخبارهم أن لا خوف عليهم، وقيل: مؤمن الخلق من ظلمه، وقال ثعلب: المصدق المؤمنين في أنهم آمنوا، وقال النحاس: في شهادتهم على الناس يوم القيامة؛ وقيل: ذو الأمن من الزوال لاستحالته عليه سبحانه، وقيل: غير ذلك، وقرأ الإمام أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم وقيل أبو جعفر المدني {المؤمن} بفتح الميم على الحذف والإيصال كما في قوله تعالى: {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] أي المؤمن به.
وقال أبو حاتم: لا يجوز إطلاق ذلك عليه تعالى لإيهامه ما لا يليق به سبحانه إذ المؤمن المطلق من كان خائفًا وآمنه غيره، وفيه أنه متى كان ذلك قراءة ولو شاذة لا يصح هذا لأن القراءة ليست بالرأي {المهيمن} الرقيب الحافظ لكل شيء مفيعل من الأمن بقلب همزته هاءًا، وإليه ذهب غير واحد، وتحقيقه كما في الكشف أن أيمن على فيعل مبالغة أمن العدو للزيادة في البناء، وإذا قلت: أمن الراعي الذئب على الغنم مثلًا دل على كمال حفظه ورقبته، فالله تعالى أمن كل شيء سواه سبحانه على خلقه وملحه لإحاطة علمه وكمال قدرته عز وجل، ثم استعمل مجرد الدلالة عنى الرقيب والحفيظ على الشيء من غير ذكر المفعول بلا واسطة للمبالغة في كمال الحفظ كما قال تعالى: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] وجعله من ذاك أولى من جعله من الأمانة نظرًا إلى أن الأمين على الشيء حافظ له إذ لا ينبئ عن المبالغة ولا عن شمول العلم والقدرة، وجعله في الصحاح اسم فاعل من آمنه الخوف على الأصل فأبدلت الهمزة الأصلية ياءًا كراهة اجتماع الهمزتين وقلبت الأولى هاءًا كما في هراق الماء، وقولهم في {إياك} [الفاتحة: 5]: هياك كأنه تعالى بحفظه المخلوقين صيرهم آمنين، وحرف الاستعلاء كمهيمنًا عليه لتضمين معنى الاطلاع ونحوه، وأنت تعلم أن الاشتقاق على ما سمعت أولًا أدل والخروج عن القياس فيه أقل، وظاهر كلام الكشف أنه ليس من التصغير في شيء.
وقال المبرد: إنه مصغر، وخطئ في ذلك فإنه لا يجوز تصغير أسمائه عز وجل: {العزيز} الغالب. وقيل: الذي لا مثل له، وقيل: الذي يعذب من أراد، وقيل: الذي عليه ثواب العاملين، وقيل: الذي لا يحط عن منزلته، وقيل: غير ذلك {الجبار} الذي جبر خلقه على ما أراد وقسرهم عليه: ويقال في فعله: أجبر، وأمثلة المبالغة تصاغ من غير الثلاثي لكن بقلة، وقيل: إنه من جبره عنى أصلحه، ومنه جبرت العظم فانجبر فهو الذي جبر أحوال خلقه أي أصلحها، وقيل: هو المنيع الذي لا ينال يقال للنخلة إذا طالت وقصرت عنها الأيدي: جبارة، وقيل: هو الذي لا ينافس في فعله ولا يطالب بعلة ولا يحجر عليه في مقدوره.
وقال ابن عباس: هو العظيم، وقيل: غير ذلك {المتكبر} البليغ الكبرياء والعظمة لأنه سبحانه بريء من التكلف الذي تؤذن به الصيغة فيرجع إلى لازمه من أن الفعل الصادر عن تأنق أقوى وأبلغ، أو الذي تكبر عن كل ما يوجب حاجة أو نقصانًا {سبحان الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} تنزيه لله تعالى عما يشركون به سبحانه، أو عن إشراكهم به عز وجل إثر تعداد صفاته تعالى التي لا يمكن أن يشارك سبحانه في شيء منها أصلًا.

.تفسير الآية رقم (24):

{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)}
{هُوَ الله الخالق} المقدر للأشياء على مقتضى الحكمة، أو مبدع الأشياء من غير أصل ولا احتذاء، ويفسر الخلق بإيجاد الشيء من الشيء {البارئ} الموجد لها بريئة من تفاوت ما تقتضيه بحسب الحكمة والجبلة، وقيل: المميز بعضها عن بعض بالأشكال المختلفة {المصور} الموجد لصورها وكيفياتها كما أراد.
وقال الراغب: الصورة ما تنتقش بها الأعيان وتتميز بها عن غيرها، وهي ضربان: محسوسة تدركها العامة والخاصة بل الإنسان وكثير من الحيوانات كصورة الفرس المشاهدة. ومعقولة تدركها الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل والروية والمعاني التي خص بها شيء بشيء، وإلى الصورتين أشار بقوله سبحانه: {خلقناكم ثُمَّ صورناكم} [الأعراف: 11] إلى آيات أخر انتهى فلا تغفل.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وحاطب بن أبي بلتعة. والحسن. وابن السميقع {المصور} بفتح الواو والنصب على أنه مفعول للبارئ، وأريد به جنس المصور، وعن علي كرم الله تعالى وجهه فتح الواو وكسر الراء على إضافة اسم الفاعل إلى المفعول نحو الضارب الغلام، وفي الخانية إن قراءة {المصور} بفتح الواو هنا تفسد الصلاة؛ ولعله أراد إذا أجراه حينئذٍ على الله سبحانه، وإلا ففي دعوى الفساد بعد ما سمعت نظر.
{لَهُ الاسماء الحسنى} الدالة على محاسن المعاني {يُسَبّحُ لَهُ مَا فِي السماوات والأرض} من الموجودات بلسان الحال لما تضمنته من الحكم والمصالح التي يضيق عن حصرها نطاق البيان، أو بلسان المقال الذي أوتيه كل منها حسا يليق به على ما قاله كثير من العارفين، وقد تقدم الكلام فيه {وَهُوَ العزيز الحكيم} الجامع للكمالات كافة فإنها مع تكثرها وتشعبها راجعة إلى كمال القدرة المؤذن به {العزيز} بناءًا على تفسيره بالغالب وإلى كمال العلم المؤذن به {الحكيم} بناءًا على تفسيره بالفاعل قتضى الحكمة، وفي ذلك إشارة إلى التحلية بعد التخلية كما في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11] فتأمل ولا تغفل.
ولهذه الآيات فضل عظيم كما دلت عليه عدة روايات، وأخرج الإمام أحمد. والدارمي. والترمذي وحسنه. والطبراني. وابن الضريس. والبيهقي في الشعب عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي وإن مات ذلك اليوم مات شهيدًا ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة».
وأخرج الديلمي عن ابن عباس مرفوعًا «اسم الله الأعظم في ست آيات من آخر سورة الحشر».
وأخرج أبو علي عبد الرحمن بن محمد النيسابوري في فوائده عن محمد بن الحنفية أن البراء بن عازب قال لعلي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه: أسألك بالله إلا ما خصصتني بأفضل ما خصك به رسول الله عليه الصلاة والسلام مما خصه به جبريل مما بعث به الرحمن عز وجل، قال: يا براء إذا أردت أن تدعو الله باسمه الأعظم فاقرأ من أول الحديد عشر آيات وآخر الحشر، ثم قال: يا من هو هكذا وليس شيء هكذا غيره أسألك أن تفعل لي كذا وكذا فوالله يا براء لو دعوت علي لخسف بي.
وأخرج الديلمي عن علي كرم الله تعالى وجهه. وابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعًا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال في قوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا} [الحشر: 21] إلى آخر السورة هي رقية الصداع، وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه قال: أنبأنا أبو عبيد الحافظ أنبأ أبو الطيب محمد بن أحمد يوسف بن جعفر المقري البغدادي يعرف بغلام ابن شنبوذ أنبأ إدريس بن عبد الكريم الحداد قال: قرأت على خلف فلما بلغت هذه الآية {لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ} [الحشر: 21] قال: ضع يدك على رأسك فإني قرأت على حمزة فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك فإني قرأت على الأعمش فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك فإني قرأت على يحيى بن وثاب فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك فإني قرأت على علقمة. والأسود فلما بلغت هذه الآية قالا ضع يدك على رأسك فإنا قرأنا على عبد الله رضي الله تعالى عنه فلما بلغنا هذه الآية قال ضعا أيديكما على رءوسكما فإني قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت هذه الآية قال لي: «ضع يدك على رأسك فإن جبريل عليه السلام لما نزل بها إلي قال: ضع يدك على رأسك فإنها شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت» إلى غير ذلك من الآثار، والله تعالى أعلم.